فصل: البحث الثاني في قدره

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


النظر الرابع‏:‏ فيمن تجب عليه وفيه بحثان في الأموال المطلقة، والأموال الموقوفة

البحث الأول‏:‏ في الأموال المطلقة وتجب الزكاة في الأموال المطلقة على المال للنصاب عند حصول الشروط وانتفاء الموانع المتقدمة، ويختلف في اشتراط الإسلام على الخلاف في مخاطبة الكفار في فروع الشريعة وإن لم يختلف في كونه شرطا في الأداء‏.‏

وتجب الزكاة في أموال الصبيان والمجانين وإن لم يتوجه الوجوب عليهم‏.‏

وقاله‏:‏ ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، خلافا ل‏(‏ح‏)‏ في العين والماشية دون الحرث والفطر‏.‏

قاعدة‏:‏ خطاب الله تعالى قسمان‏:‏ خطاب تكليف متعلق بأفعال المكلفين ومن ألحق بهم تبعا كالصلاة والصيام، وخطاب وضع يتعلق بنصب الأسباب والشروط والموانع، فلا يتوقف على التكليف في محالها كالإتلاف سبب الضمان، ودوران الحول منه شرط لوجوب الزكاة، والجنون مانع من العبادة، بل معناه قول الله تعالى‏:‏ إذا وقع هذا في الوجود فرتبوا عليه هذا الحكم، وقد يقع معه التكليف كالزنى سبب الحد، والطهارة شرط في الصلاة، والإحرام مانع من الطيب والصيد، فخطاب الزكاة عند ‏(‏ح‏)‏ من خطاب التكليف ليسقط عن الصبيان، وعندنا خطاب وضع، ويدل عليه ما في الترمذي‏:‏ قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏

ألا من ولي يتيما له مال فليتجر فيه، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة‏)‏ وفي إسناده ضعف‏.‏

وفي ‏(‏الموطأ‏)‏ عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -‏:‏ ‏(‏اتجروا بأموال اليتامى، لا تأكلها الزكاة والقياس على نفقات القرابات وقيم المتلفات‏.‏

سؤال‏:‏ لو كان من خطاب الوضع لما اشترطت فيه النية وقد اشترطت، جوابه‏:‏ أن خطاب الوضع قد يجتمع مع خطاب التكليف، ويغلب التكليف كالنذرور والكفارات وقد يغلب خطاب الوضع ويكون التكليف تبعا‏.‏ وها هنا كذلك، بديل أخذها من الممتنع منها مع عدم النية، والنذور لا يقضى بها لغلبة العبادة عليها‏.‏ ‏(‏فرع‏)‏ في ‏(‏تهذيب الطالب‏)‏ قال ابن القاسم‏:‏ تزكي ماشية الأسير والمفقود وزرعهما دون ناضهما لاحتمال الدين‏.‏

البحث الثاني في الأموال الموقوفة‏:‏ والكلام في هذا الباب يتوقف على بيان الوقف هل ينقل الأملاك والمنافع فقط وتبقى الأعيان على ملك الواقفين ولو ماتوا‏؟‏ فكما يكون لهم آخر الريع بعد الموت يكون لهم ملك الرقبة وهو المشهور، وحكى بعض العلماء الاتفاق على سقوط الملك من الرقاب في المساجد، وإنه من باب إسقاط الملك كالعتق‏.‏ لنا‏:‏ وجهان‏:‏ الأول‏:‏ أن القاعدة مهما أمكن البقاء على موافقة الأصل فعلنا‏.‏ والقول ببقاء الملك أقرب لموافقة الأصل، فإن الأصل بقاء الملك على ملك أربابها‏.‏ الثاني‏:‏ قوله عليه السلام لعمر - رضي الله عنه -‏:‏ ‏(‏

حبس الأصل وسبل الثمرة‏)‏ يدل على بقاء الأملاك، وإلا لقال له‏:‏ سبلها، ولا حاجة إلى التفصيل ‏(‏تفريع‏)‏ في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إن كانت نباتا زكيت على ملك واقفها ولا يراعي حصص المستحقين للريع؛ لأن ملكهم عليه إنما يثبت بعد القسمة كالمساقاة للعامل، وقيل‏:‏ إن تولاها غيره في التفريق، وكان الآخرون يستحقون الزكاة، فلا زكاة فيها لضعف الملك بعدم التصرف كمال العبد، وإن قلنا بالزكاة على المشهور، أو لأنهم لا يستحقون أخذ الزكاة، لا يعتبر النصاب في كل حصة إذا كان الوقف على معينين عند سحنون خلافا لابن المواز، والخلاف مبني على أن ملكهم بالظهور فيشترط، أو بالقسمة فلا يشترط، قال أبو عمران‏:‏ وقول محمد خلاف ظاهر ‏(‏المدونه‏)‏ وأما عين المعينين‏:‏ فيشترط؛ لأنهم لا يملكون إلا بالوصول‏.‏ وفي ‏(‏المقدمات‏)‏ اختلف إذا كان الحبس على ولد فلان، هل يلحقون بالمعينين أم لا‏؟‏ والقولان قائمان من ‏(‏المدونه‏)‏ في الوصايا‏.‏ وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إن كان الوقف مواشي وقفت لتفرق أعيانها، فمر الحول قبل التفريق فلا زكاة‏.‏ وقال ابن القاسم هن مثل الدنانير، وقال أشهب‏:‏ إن كانت تفرق على مجهولين فلا زكاة فيها، وإن كانت على معينين فالزكاة على من بلغت حصته نصابا، قال محمد‏:‏ وهذا أحب إلينا، والمدرك ها هنا‏:‏ أن يفرق الأعيان أعواض عن ملك المعطي، فلا يزكيها على ملكه إذ لا مالك، وغيره لم يحل الحول بعد القبض فتسقط للزكاة مطلقا، أو يقال‏:‏ لما كان المنتقل إليه معينا قدر ملكه ثابتا من أول أعراض الملك، وقد حال الحول من حينئذ فتجب الزكاة، وإن وقفت لتفرق أولادها زكيت الأصول ويزكى نسلها عند ابن القاسم إذا كانت على مجهولين، وبلغ نصابا وحال الحول من يوم الولادة، وإن كانت على معينين فلا زكاة على من لم يبلغ نصابا، وأوجبها سحنون في المعينين والمجهولين تغليبا للملك الأول، وإن وقفت لتفرق غلتها من لبن وصوف على معينين أو غير معينين زكيت الأمهات والأولاد على ملك الواقف، لعد مزاحمة غيره له في الملكية، وحولهما واحد، قال صاحب ‏(‏المقدمات‏)‏‏:‏ في العين ثلاثة أقوال‏:‏ لا تجب فيها حتى تفرق على معينين أو غيرهم وهو معنى ما في ‏(‏المدونة‏)‏ لعدم تعين النقدين على المذهب‏.‏ ولا يجب إن كانت تفرق على غير معينين لعدم قبول الملك‏.‏ وأعراض الواقف عن ملكه، وإنما يجب في حصة كل واحد من المعينين، وهو يتخرج على القول بأن في فائدة العين الزكاة بعد الحول قبل القضاء، ويجب في جملتها إن كانت تفرق على معينين‏:‏ تقوية للملك السابق، وإن فرقت على معينين‏:‏ ففي حصة كل واحد منهم؛ لأن المعين يقبل نقل الملك وهو مخرج أيضا على هذا من حيث الإجمال، وإن فصلنا، قلنا‏:‏ إن كانت تقسم على غير معينين فقيل‏:‏ يزكي جملتها على ملك المحبس، وقيل‏:‏ لا يزكي لإعراضه عن ملكه، وإن كانت تفرق على معينين‏:‏ فقيل‏:‏ لا زكاة، وقيل‏:‏ يزكي على ملك المقسم عليهم إن بلغت حصة كل واحد منهم نصابا، وأما الثمرة المتصدق بها أو الموهوبة لعام أو أعوام محصورة إن كانت على المساكين زكيت على ملك المعطي، إن كانت جملتها نصابا، أو إذا أضافه إلى ما في ملكه كان نصابا، وإن كانت على معينين فثلاثة أقوال‏:‏ يزكي على ملك الواهب تقوية لملكه في الرقاب كالمساقي لسحنون، ولا يخرج الزكاة على قوله حتى يحلف أنه لم يرد تحمل الزكاة من ماله، ويزكي على ملك الموهوب والمتصدق عليه والمعرى إن كانت حصته نصابا؛ لأن الرقبة معهم كالعارية فنشأت الثمرة على أملاكهم، والتفرقة بين الهبة والصدقة فيزكيان على ملك الآخذين وبين العارية فيزكي على ملك المعري، قال عبد الحق‏:‏ وفي الموقوف على المساجد ونحوها خلاف بين المتأخرين، والصواب‏:‏ أن لا زكاة لعدم توجه الأمر على الموقوف عليه، وإن كان الموقوف علينا ليفرق فلا زكاة لخروجها من يد مالكها وبطلت قيمتها ويقبضها من صارت إليه، وإن وقفت لتسلف زكيت بعد الحول‏.‏

النظر الخامس‏:‏ في الجزء الواجب وهو ربع العشر

وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ أن جمع النصاب من النقدين أخرج من كل صنف بحسابه؛ لأنه أعدل للفقراء والأغنياء مع قلة الاختلاف، بخلاف الحبوب لما عظم الاختلاف فيها اعتبر الوسط عدلا بين الفريقين، قال ابن يونس‏:‏ له إخراج الذهب على الورق وبالعكس بالقيمة دون الورق، وقاله‏:‏ ‏(‏ح‏)‏ خلافا لـ ‏(‏ش‏)‏ لحصول المقصود، وقال ابن حبيب‏:‏ ما لم تنقص قيمة الدينار من عشرة دراهم ليلا يبخس الفقراء من القيمة الشرعية، وإن زادت صح‏.‏ وقال عبد الوهاب‏:‏ إنما يخرج على كل دينار عشرة دراهم، وعن العشرة دينار نظرا إلى الأصل، وقال سحنون‏:‏ إخراج الورق عن الذهب أصوب؛ لأجل التفريق، قال ابن المواز‏:‏ لا تخرج عن الفضة الردية قيمتها دراهم أقل من الوزن، بل يخرج من عينها أو قيمتها ذهبا، وكذلك القول في الذهب الرديء، قال سند‏:‏ ومنع مالك من إخراج الحب والعرض في ‏(‏الكتاب‏)‏ وأجازه ابن حبيب إذ رآه أحسن للمساكين، وفي الدارقطني‏:‏ قال معاذ لأهل اليمن‏:‏ ‏(‏ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم في الصدقة، وهو أهون عليكم، وخير للمهاجرين بالمدينة‏)‏ وقد تقدم أن الله تعالى لما أوجب الزكاة شكرا للنعمة على الأغنياء وسدا لخلة الفقراء أوجب الإخراج من أعيان الأموال ليلا تنكسر قلوب الفقراء باختصاص الأغنياء بأعيان الأموال، وهو مدرك مالك و‏(‏ش‏)‏، وإنما عدل مالك عن ذلك لشدة قرب أحد النقدين من الآخر، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا أخرج أحد النقدين عن الآخر فعلى الصرف الأول عند الشيخ أبي بكر، وعلى الحاضر عند ابن القاسم‏.‏ ويريد بالأول عشرة بدينار، قال أبو الطاهر‏:‏ لا يمكن من كسر الدينار السكوك للفقراء إذا وجب عليه بعضه، فإن كان البعض له سكة تخصه أخرجه إن وجبت جملته‏.‏ وإن لم تجب ففي كسره قولان مع حصول الاتفاق على منع كسر الدينار؛ لأن البعض ليس له حرمة الكل، وإذا قلنا‏:‏ يزكى بقيمة بعض الكامل ففي إخراج قيمة السكة قولان‏:‏ عدم اللزوم لابن حبيب؛ لأن السكة لا يكمل بها النصاب واللزوم لابن القابسي؛ لأن المساكين كالشركاء، قال سند‏:‏ وإذا زكى الآنية فله كسر جرة منها خلافا لـ‏(‏ش‏)‏ وله جزء دفع جزء الجميع شائعا، وللإمام ما يراه من بيع أو غيره، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ من وجبت عليه الزكاة فلم يخرجها واشترى بها خادما فماتت، أو فرط حتى ضاع‏.‏ ضمن الزكاة، وإن لم يفرط حتى ضاع أو بقي دون النصاب فلا زكاة عليه‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال ابن الحضرمي و‏(‏ش‏)‏‏:‏ يخرج مما دون النصاب ربع عشره؛ لأن الفقراء شركاء فيما بقي، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يضمن إلا أن يكون الإمام طلب منه فامتنع، ولا يأثم بالتأخير‏.‏ ولو طلبه المساكين؛ لأن له أن يعطي لغيرهم فلا يأثم بمنعهم خلافا لنا، والفرق عنده أن الإمام وكيل لجملة مصارف الزكاة من جهة الشرع في قبض الجزء، والمشترك فيها آثم بالتأخير كوكيل الغريم في الدين والمسكين لم يتعين له الحق وليس وكيلا للجملة‏.‏

تمهيد‏:‏

قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ففيها ربع العشر، ففيها خمسة دراهم، ففيها شاة‏)‏ لفظة ‏(‏في‏)‏ تكون للظرفية نحو‏:‏ زيد في الدار، وللسبب كقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏في النفس المؤمنة مائة من الإبل‏)‏ أي بسبب قتلها تجب مائة من الإبل؛ لاستحالة حلول الإبل في النفس المؤمنة، فإن جعلناها في أحاديث الزكاة للظرفية كان نصيب الفقراء أجزاء في النصاب فيكونون شركاء، ومقتضاه أن لا يتمكن الغني من الدفع من غير العين المزكاة، وأن لا يضمن إلا بالتعدي، وإن يخرج مما بقي ربع العشر، وإن جعلناها للسببية لم يكونوا شركاء بل وجب لهم على الغني بسبب الملك مثل ربع عشرها، ومقتضاه‏:‏ أن يتمكن الغني من الدفع من غير العين المزكاة، ولا يخرج مما بقي دون النصاب شيئا لانتفاء المسبب قبل التمكن، وأن يأثم بالتأخير مطلقا قبل التمكن؛ لأن القاعدة ترتيب المسببات على أسبابها فيأثم بعدم الترتيب، فهذا مثار خلاف العلماء، قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ إن أخرجها قبل الحول فهلكت ضمن إلا أن يكون الإخراج في وقت الإجزاء؛ لأن قبله لم يخرج الواجب عليه فهو باق، ولو بعث بها حين وجبت لتفرق فسقطت أجزأت؛ لأن الله تعالى وكل إليه قسم نصيب الفقراء، وهلاك نصيب أحد الشريكين بعد القسم منه، وإن فرعنا على السببية فقد وقع الاتفاق على البراءة لو هلك جملة المال بغير تفريط وهي فيه، وكذلك إذا أفردت، قال ابن القاسم‏:‏ أن وجدها بعد تلف ماله وعليه دين صرفت للفقراء، ولو بعث بصدقة الماشية والحرث مع رسوله ضمن؛ لأن شأنها مجيء الساعي أو المتصدق، وروى ابن نافع عن مالك أنه إذا أخرج زكاة العين من صندوقه في ناحية بيته ضمنها حتى يخرجها من بيته، قال أبو محمد‏:‏ يعني إذا كان شأنه دفعها إلى للإمام ولو كان هو يلي تفريقها لم يضمن والله أعلم‏.‏

الثاني‏:‏ في زكاة المعادن

والمعدن بكسر الدال من‏:‏ عدن بفتح الدال يعدن بكسرها عدونا‏.‏ إذا أقام، ومنه‏:‏ جنة عدن، أي جنات إقامة، والمعدن يقيم الناس فيه صيفا وشتاء، أو لطول مقام النقدين فيه، ولا يسمى ركازا عندنا وعند الشافعية خلافا لـ ‏(‏ح‏)‏‏.‏ لنا‏:‏ ما في الصحاح‏:‏

قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏العجماء جبار، والبئر جبار‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏جرج العجماء جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس‏)‏ ولم يقدر فيه الخمس، ولأن الركاز من الركز، والمعدن ثابت وليس بمركوز، والنظر في جنسه وقدره وموضعه وواجده والواجب فيه، فهذه خمسة فصول‏.‏

الفصل الأول‏:‏ في جنسه

قال سند‏:‏ ولا تجب الزكاة إلا في معدن الذهب والفضة عند مالك و‏(‏ش‏)‏ ولما أوجب ‏(‏ح‏)‏ في المعدن الخمس أوجبه في كل ما ينطبع كالحديد بخلاف ما لا ينطبع كالعقيق والكحل، وهي نقض عليه، واختلف قوله في الزئبق، واعتبر ابن حنبل كل ما يخرج من المعدن لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض‏)‏‏.‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 167‏)‏ ونقص عليه بالطين الأحمر‏.‏

الفصل الثاني‏:‏ في قدره،

وفي ‏(‏الكتاب‏)‏ لا يزكي ما يخرج من المعدن حتى يكون عشرين دينارا أو مائتي درهم، ثم يزكي بعد ذلك ما قل أو كثر من غير حول إلا أن ينقطع ذلك النيل ويأتنف شيئا آخر فيبدأ النصاب، فاشترط النصاب مالك و‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل خلافا لـ ‏(‏ح‏)‏‏.‏ لنا‏:‏ القياس على النقدين في الزكاة، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ يضم الذهب إلى الورق بالإجزاء في المعادن كالنقدين في الزكاة قاله‏:‏ ابن القاسم‏.‏ وقال القاضي أبو الوليد‏:‏ أما على القول بضم المعدنين فبين، وأما على المنع في ذلك فيبعد لاستحالة اجتماعها في معدن واحد، قال سند‏:‏ وإن كان بيده مال حال عليه الحول دون النصاب كمل به النصاب المعدني، قاله‏:‏ عبد الوهاب لوجود السبب مستجمعا لما يوجب الزكاة، وعلى قول أصبغ‏:‏ لا يضم عامل القراض ما بيده إذا كان دون النصاب بعد الحول، إلى ما يزكيه من الربح، لا يضم ها هنا، ويستقبل بالجميع حولا؛ لأن حكم الحول إنما يعتبر في النصاب، لا فيما دونه؛ لأنه لو كان معه نصاب حال عليه الحول، ثم استخرج من المعدن دون النصاب لا يزكيه، خلافا للشافعية، وهو نقض على عبد الوهاب، ولو استخرج دون النصاب وبعد مدة دون النصاب لا يضم عند الجميع، ثم لا يخلو إما أن يتصل النيل وهو العرق الذي يتبع، والعمل وهو التصفية أو ينقطعا معا، أو يتصل أحدهما، فإن اتصلا ضم بعضه إلى بعض وفاقا وإن انقطعا لا يضم، أو تصل العمل وحده لا يضم، أو النيل وحده، وظاهر قول مالك أن الاعتبار بالنيل دون العمل وعند ‏(‏ش‏)‏‏:‏ لو انقطع العمل بغير عذر استأنف إذا أعاد العمل، وإن اتصل النيل‏.‏ لنا‏:‏ أن النيل هو المقصود دون العمل، فإذا انقطع فلا زكاة، كما لو انقطع سنة‏.‏ وإذا اتصل لم ينظر إلى قطع العمل، كما لو أخر التصفية سنة، وقد سلمه ‏(‏ش‏)‏ والفرق بينه وبين الزرع يستحصد بعضه قبل بعض‏:‏ أن الزكاة وجبت في جميعه عند بدو صلاحه، وظهور الفرق، مثل‏:‏ نبات الزرع واستخراجه مثل‏:‏ بدو الصلاح، والتصفية مثل الحصاد، فما لم يظهر نيل مثل ما لم يحصد ويزرع، فإذا ظهر فهو كزرع بعد زرع لا يضم‏.‏

فائدة‏:‏ يقال‏:‏ النيل والنول والنوال والنائل وهو العطاء، فإن استخرج معادن معا، فالمذهب عدم الضم‏.‏ وقاله‏:‏ سحنون خلافا لابن القاسم مشبها لها بالفدادين؛ لأنه إذا لم يضم نيل إلى نيل فأولى معدن إلى معدن، والفرق للمذهب‏:‏ أن إبان الزرع واحد، والملك شامل لجميعه قبل وجوب الزكاة فيه، والملك إنما يثبت في المعدن بالعمل، ونظائره الفوائد لا تضم في الحال بل في الاستقبال، قال صاحب ‏(‏المقدمات‏)‏‏:‏ تضم المعادن بعضها إلى بعض، وإذا عمل في أحدهما فأناله، ثم في الثاني فأناله قبل انقطاع الأول، ثم في الثالث فأناله قبل انقطاع الأول والثاني‏.‏ أضاف الجميع إن كثرت كالزرع، ولو أناله الثاني قبل انقطاع الأول ثم انقطع الأول وبقي الثاني فأناله الثالث قبل انقطاع الثاني أضاف الثاني إلى الأول والثالث، ولم يضف الأول إلى الثالث‏.‏ ولو أناله الأول واتصل، ثم أناله الثاني وانقطع ثم عاد، ولما انقطع أناله الثالث والأول على حاله أضاف الأول إلى الخارج من الثاني قبل انقطاعه وبعد انقطاعه، أو إلى ما خرج له من الثالث، ولا يضيف ما خرج له من الثاني قبل انقطاعه إلى ما خرج له بعد انقطاعه، ولا ما خرج له من الثالث بعد انقطاع الثاني‏.‏ قال‏:‏ وهذا كله قول ابن مسلمة، وهو تفسير ما في ‏(‏الكتاب‏)‏؛ لأن المعادن كالأرضين، قال سند فإن اشترك جماعة في عمل المعدن فحصل لهم نصاب، قال سحنون‏:‏ لا تجب الزكاة قياسا على الزرع، وقال عبد الملك‏:‏ تجب قياسا على اشتراك العمل في القراض، فإن العبرة بمن أقطع المعدن وهو واحد، وينبني الخلاف أيضا على أنهم كالشركاء، فلا تجب أو كالأجراء فلا يملكون إلا بالقسمة، وقد وجبت قبل ذلك، والفرع مبني على جواز الإجارة على المعدن بجزء منه‏.‏ قال صاحب ‏(‏المقدمات‏)‏‏:‏ وأكثر الأصحاب على منعه، وجوزه أصبغ قياسا على القراض بجامع الضرورة لتعذر بيع المعادن‏.‏

الفصل الثالث‏:‏ في واجده

فإن كان مسلما حرا وجبت الزكاة، وإن كان ذميا أو عبدا‏:‏ قال سحنون و‏(‏ش‏)‏ لا زكاة قياسا على العين، وقال عبد الملك و‏(‏ح‏)‏ تجب‏.‏ قال الباجي‏:‏ وهذا الفرع يتخرج على أن المعتبر هل الذي أقطع المعدن أو العامل‏؟‏ وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا يسقط الدين زكاة المعدن كالزرع‏.‏

الفصل الرابع‏:‏ في موضعه

قال أبو الطااهر‏:‏ المعدن ثلاث أقسام في أرض غير مملوكة فللإمام، ومملوكه لمالك غير معين فقيل‏:‏ كالأول لعدم تعيين المالك، وقيل لمن افتتح تلك الأرض أو لوارثه ومملوكة لمالك معين، فثلاثة أقوال‏:‏ لمالكها، للإمام، التفرقه بين النقدين فيكون للإمام لأجل الزكاة، وبين غيرها فللمالك، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ ما ظهر منها في أرض العرب أو البربر أو للعنوة فللإمام إقطاعه وأخذ زكاته ظهر في الجاهلية وفي الإسلام، وما ظهر في أرض الصلح فلأهلة دون الإمام‏.‏ قال سند‏:‏ اختصاص ما في الفيافي بالإمام هو المشهور، والاقطاع هو جعل الانتفاع له به مدة معلومة أو مطلقة على غير التمليك‏.‏ لما في أبي داود‏:‏ ‏(‏أقطع عليه السلام الملح الذي بمأرب ثم نزعه‏)‏‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ لا يباع للغرر ولا يورث، وقال أشهب‏:‏ لا يباع ويورث كبئر الماشية، وسبب تعيين ذلك للإمام خوفا من الفتنة عليه، واجتماع السفهاء إليه، وما كان في ملك واحد فللإمام عند ابن القاسم، خلافا لجميع الأصحاب، سواء كانت عنوة أو صلحا أو للعرب؛ لأجل ما فيه من الزكاة ودرءا للفتنة، وعند الأصحاب‏:‏ لرب المكان أن يعامل عليه، وفيه الزكاة؛ لأن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها وأجزاءها، وابن القاسم يمنع أنه من أجزاء الأرض، بل من الأعيان المباحة كما البحيرة وما ظهر بفيافي الصلح ومواتها، قال ابن القاسم‏:‏ هو لهم لأنهم لا يضايقون في أرضهم، وقال ابن حبيب‏:‏ هو للإمام؛ لأنه لم يقصد بعقد الصلح، وعلى الأول إذا أسلموا بعد ذلك فعند ابن القاسم لا يستقر ملكهم عليه وحكمهم حكم المساجين خلافا لابن المواز‏.‏

الفصل الخامس‏:‏ في الواجب وفيه

وهو ربع العشر – عندنا - ويصرف في مصارف الزكاة لا في مصارف الفيء قاله في ‏(‏الكتاب‏)‏ ووافقه ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ الخمس محتجا بقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏وفي الركاز الخمس، قيل له‏:‏ وما الركاز‏؟‏ قال‏:‏ هو الذهب والفضة المخلوقان في الأرض يوم خلق الله السموات والأرض‏)‏ ولأنه كان في أيدي المشركين فأزلناهم عنه، فيجب فيه الخمس كالغنائم، وإعراض الغانمين عنه لا يسقط حق الله تعالى، والجواب عن الأول‏:‏ المعارضة بما تقدم من الحديث الصحيح، وعن الثاني‏:‏ النقض بما إذا وجده في داره‏.‏ فقد قال فيه‏:‏ ربع العشر، وفي ‏(‏الموطأ‏)‏‏:‏ ‏(‏أنه عليه السلام أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية، وهي من ناحية الفرع، فتلك المعادن لا يوخذ منها إلى اليوم إلا الزكاة‏)‏ وهذا إجماع‏.‏

فائدة‏:‏ من ‏(‏التنبيهات‏)‏ القبلية بفتح القاف والباء بواحدة وكسر اللام، والفرع بضم الفاء والراء‏.‏ وحكي إسكان الراء قال غيره‏:‏ القبلية نسبة إلى ساحل البحر، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ النذرة والتابة يوجد بغير عمل أو بعمل يسير، فيها الخمس كالركاز، قال سند‏:‏ المعتبر عند ابن القاسم‏:‏ التصفية دون الحفر والطلب مما لا تصفية فيه فهو الندرة، وروي عن مالك فيها الزكاة لظاهر الحديث، وتغليبا للأصل، ولأن الخمس إنما وجب في الركاز لشبهه بالغنيمة لكونه من أموال الكفار وهذا نبات الأرض، وراعى المذهب خفة العمل اعتبارا بالسيح والنضح في الزرع، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ التفرقة بين القليل فتجب الزكاة وبين الكثير فالخمس‏.‏ وقال الشيخ أبو الحسن‏:‏ إن كانت ممازجة للتراب تحتاج إلى تخليص فهي كالمعدن، قال سند‏:‏ وإذا قلنا بالزكاة اعتبرنا النصاب قولا واحدا وضممناها إلى المعدن‏.‏ وإن قلنا بالخمس فعلى الخلاف في الركاز‏.‏

فائدة‏:‏ الندرة بفتح النون وسكون الدال‏:‏ المنقطع من الذهب والفضة عن هيئته، ومنه‏:‏ ندر العظم أي قطعه، ونادر الكلام ما خرج عن أسلوبه‏.‏

سؤال‏:‏ المعدن يشبه النقدين في جوهره، والزرع في هيئته فلم رتب على شبه النقد النصاب والجزء الواجب دون الحول - وهو من أحكام النقد - ورتب إسقاطه لشرع الزرع، فما المرجح‏؟‏ جوابه‏:‏ أن الجواهر أصل، والهيئة فرع، والنصاب سبب، وهو أصل الحكم، والحول شرط تابع، فجعل الأصل للأصل والتبع، ولما كان السبب مستلزما لمسببه الذي هو الجزء الواجب الحق به وبعدم اشتراط الحول‏.‏ قال الأئمة‏:‏ لأن المعدن فيه حق، فلو اشترط الحول لكان المأخوذ حق العين فيبطل حق المعدن، وهو خلاف الاجماع‏.‏ قال سند‏:‏ وظاهر كلام مالك‏:‏ أن الزكاة تجب بانفصاله من المعدن، كما تجب في الزرع والثمرة ببدو الصلاح‏.‏ ويقف الإخراج على التصفية والكيل كالزرع، ولا تسقط منه النفقة والكلف كالزرع، وقاله الشافعية في الموضعين خلافا ل ‏(‏ح‏)‏‏.‏

الثالث في الركاز

وهو مأخوذ من ركزت الخشبة في الأرض، وهو أموال جعلت في الأرض، وهو ‏(‏المطالب‏)‏ في العرف وتتمهد فروعه بالنظر في جنسه، وقدره، وموضعه، وواجده، والواجب فيه‏.‏ فهذه خمسة فصول

الفصل الأول في جنسه

وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ كان يخصصه بالنقدين ثم رجع إلى تعميمه فيهما وفي غيرهما، وبه قال ابن حنبل و‏(‏ح‏)‏ خلافا ل ‏(‏ش‏)‏‏.‏ لنا‏:‏ عموم قوله عليه السلام‏:‏ وفي الركاز الخمس وقياسا على الغنيمة، ووجه الأول‏:‏ أنه مال يستفاد من الأرض فيختص حكمه ببعض أنواعه، كالمعدن والحبوب‏.‏ وقال‏:‏ إن أصيب بعمل أو بغير عمل فهو ركاز، وقال أيضا‏:‏ ما أصيب بكلفة أو بمال فليس بركاز، قال ابن يونس‏:‏ يريد أنه له حكم المعدن لأجل الكلفة‏.‏

الفصل الثاني في قدرة

وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا يشترط النصاب‏.‏ وفي ‏(‏الجلاب‏)‏‏:‏ في القليل روايتان، فأشبه أن يكون ما دون النصاب‏.‏ الفصل الثالث في موضعه، وهو خمسة‏:‏ العنوة، والصلح، ودار الحرب، والفيافي، والمجهول الحال، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ ما وجد في الفيافي أو أرض العرب فهو لواجده وعليه الخمس، لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏العجماء جبار والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس‏)‏، وما وجد في أرض العنوة فهو لجميع من افتتحها من المسلمين وفيه الخمس، أو بأرض الصلح فهو للذين صولحوا ولا يخمس، ولو وجد في دار أحدهم إلا أن يجده رب الدار فهو له خاصة، إلا أن يكون ليس منهم فيكون لهم دونه أو بدار الحرب فهو لجميع الجيش‏.‏ قال سند‏:‏ في أرض الصلح ثلاثة أقوال‏:‏ للإمام، مراعاة لعقد الصلح، وقال ابن نافع‏:‏ هو لمن وجده؛ لأن عقد الصلح لم يتناوله‏.‏ وقال أشهب‏:‏ إن جاز أن يكون لهم كان لقطة يعرف فيكون لمن عرفه، وإن لم يجز أن يكون لهم بسبب أن لكل ملة سكة وعلامات، ولا لمن له ذمة، ولا لوارث ذي ذمة، فهو لواجده وفيه الخمس، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ لأهل الصلح وإن كان واجده منهم، وإذا قلنا‏:‏ إنه لقطة حلف مدعيه في الكنيسة، وقال أصبغ‏:‏ هو لواجده كان في أرض الصلح أو العنوة أو للعرب، نظرا إلى ان الموجب لاستحقاق ما فوق الأرض من فتح أو صلح أو إسلام لا يوجب استحقاق ما تحتها، ويقويه مالك في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إن ما في قبور الجاهلية لواجده، ولم يكن في أرض العرب من يدفن المال، وإنما يستقيم ذلك في فارس والروم، والذين بلادهم عنوة‏.‏ قال سند‏:‏ وقال أشهب‏:‏ إن كان لأهل العنوة أو ورثتهم فهو لأهل الفتح، وإن كان عاديا فهو لواجده؛ لأنه كالصيد والحشيش، ولا يستحق الجيش إلا ما كان بأيدي من قاتلوه‏.‏ وإذا قلنا‏:‏ للجيش، فإن كان موجودا خمس ودفع إليهم باقيه، ومن غاب رفع له نصيبه كالغنيمة، وإن انقرض الجيش ولم تنضبط ذريته‏:‏ قال سحنون‏:‏ هو كاللقطة يفرق على مساكين تلك البلدة إن كانوا من بقايا أهل الفتح، والاجتهاد فيه للإمام، وقال أشهب‏:‏ هو لعامة المسلمين، وعلى القولين يدفع للسلطان العدل، فإن لم يكن عدلا أخذ

واجده خمسه وعمل في باقيه ما يعمله في اللقطة، ولو وجد في دار الحرب قبل الفتح من دفن الجاهلية‏:‏ ففي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ هو لجماعة الجيش الذين مع الواجد؛ لأنه إنما أخذه بهم‏.‏ وعلى قول ابن الماجشون يختص به واجده إذ لا ملك للكفار عليه‏.‏ وعلى قول أشهب إن كان عاديا فلواجده وفيه الخمس، وإن كان لأهل تلك الدار أو لمن هو من ورثتهم فهو غنيمة للجيش، ويخمس جميعه عينا أو عرضا‏.‏ ولو وجد بين أرض الصلح والعنوة‏:‏ قال سحنون‏:‏ إذا جهل أعنوة هو أم صلح‏؟‏ فهو لواجده، لعدم تعيين غيره‏.‏ قال‏:‏ وما تقدم إنما هو في موات الأرض‏.‏ أو ما وجد في ملك أحد من العنوة أو الصلح أو غيرهما، فإن وجده صاحب الدار أو الأرض فهو له عند عبد الملك، وقاله ابن القاسم‏:‏ في غير العنوة‏.‏ أما من وجده في دار غيره فلرب الدار عند مالك؛ لأن يده على ظاهرها فيكون على باطنها‏.‏ وقاله ابن القاسم في أرض الصلح، ولا فرق عنده بين أن يكون رب الدار هو الواجد، وهو من أهل الصلح، أو وجد في داره؛ لأن يده على داره، وهو المراد بفتواه في ‏(‏الكتاب‏)‏‏.‏ وقال مالك أيضا‏:‏ هو لمن وجده أن كان جاهليا كالصيد يختص به السابق إليه‏.‏ وعلى الأول‏:‏ لو انتقلت إليه بالتملك فهو للبائع، وعند مالك والشافعية‏:‏ إن ادعاه البائع، فعلى هذا لو كانت الدار موروثة وقسمت كانت لجملة الورثة‏.‏ ويقضي منه دين الميت إلا أن يكون الميت اشترها كما تقدم؛ لأن العقود إنما تنقل ما حصل به الرضا حالة المعارضة‏.‏ والمجهول لا يدخل تحت الرضا‏.‏ فإن ادعاه المبتاع دون البائع وأنه الذي حفظه في موضعه قضي له به لليد مع عدم المعارضة‏.‏ وعلى القول بأن ما يوجد في الدار لربها‏:‏ يحلف أنه ما وجده فيها‏.‏ وعلى قول ابن نافع‏:‏ لا يحلف، فإن ادعاه البائع دون المبتاع فلا يدفع له على قول ابن نافع حتى تثبت صحة ما ادعاه، فإن ادعاه رب الدار والمستأجر‏:‏ فالقول قول المستأجر عند ابن نافع‏.‏ وقول رب الدار عند غيره، نظرا إلى استيلاء اليد أو اشتمال الدار عليه كاليد‏.‏ أما ما وجد عليه علامة الإسلام كالقرآن وأسماء الخلفاء فهو لقطة، ليس بركاز‏.‏ وإنما الركاز في أموال الكفار على ظهر الأرض أو بطنها في البر أو البحر‏.‏ فإن أشكل فلواجده ويخمس لعدم تحقق المعارض‏.‏ وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ ما لفظه البحر ولم يتقدم عليه ملك فلواجده لا يخمس لعدم شبهه بالخمس، وإن تقدم عليه ملك معصوم‏:‏ فهل هو لواجده؛ لأن الترك بالفعل كالترك بالقول وهو صحيح، أو لربه‏؟‏ روايتان، أما لو تركه بغير اختياره لعطب البحر فلصاحبه، وعليه لجالبة كراء مؤنته، وكذلك المتروك بمضيعة بالبر أوالبحر، أو عجز عنه ربه، فيه خلاف‏.‏ فرع‏:‏ كره في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ حفر قبور الجاهلية، والطلب فيها من غير تحريم، قال‏:‏ وفي ركازها الخمس، أما الكراهة‏:‏ فحذرا من مواطن العذاب، أو من أن يصادف قبر نبي أو ولي، أو لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا وأنتم باكون‏)‏ فلا يدخل للدنيا‏.‏ وفي أبي داود أنه عليه السلام مر بقبر فقال‏:‏ هذا قبر أبي رغال، وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية ذلك‏:‏ أنه دفن معه غصن ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه‏)‏ فابتدره الناس وأخرجوا الغصن تحقيقا لصدقه عليه السلام‏.‏ قال سند‏:‏ لم يكرهه أشهب قياسا لمماتهم على حياتهم، فإن كان نفس القبر رصاصا أو رخاما خمس على الخلاف؛ لأنه منقول بخلاف ما يكون جدارا في الأرض فإنه تابع للأرض لا يخمس كالأرض‏.‏

الفصل الرابع في واجده

وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ يجب فيه الخمس وإن كان واجده غنيا أو فقيرا أو مديانا، قال ابن يونس أو ذميا‏.‏

الفصل الخامس في الواجب فيه

وهو الخمس‏.‏ للحديث، وقياسا على الغنائم‏.‏ قال سند‏:‏ ومصرفه عندنا وعند ‏(‏ح‏)‏ مصرف الفيء وعند ‏(‏ش‏)‏ مصرف الزكاة، وقاسه على الزرع والمعدن، ولأنه يجوز أن يكون مالا لنبي أو مسلم من الأمم السالفة فلا يصرف ماله الفيء، والجواب عن الأول‏:‏ أن إلحاق الخمس بالخمس أولى، وعن الثاني‏:‏ أنه خلاف الظاهر‏.‏

الرابع‏:‏ في زكاة المعشرات‏.‏

والنظر في الموجب، والواجب، ووقت الوجوب، ومن تجب عليه، وصفة الإخراج، فهذه خمسة أنظار‏.‏

النظر الأول في الموجب

وفيه بحثان‏:‏

البحث الأول، في جنسه

قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده‏)‏ ‏(‏الأنعام‏:‏ 6‏)‏‏.‏ قال العلماء‏:‏ هذا حكم عام في هذه الأشياء، والحكم المشترك يجب أن يكون معللا بعلة مشتركة‏.‏ واختلفوا فيها‏:‏ فقال مالك‏:‏ هي الإدخار للقوت غالبا؛ لأنه وصف مناسب في الإقتيات من حفظ الأجساد التي هي سبب مصالح الدنيا والآخرة‏.‏ وإذا عظمت النعمة وجب الشكر بدفع الزكاة‏.‏ فلذلك تجب في الزيتون والسمسم للإقتيات من زيتهما، وفي القطاني للإقتيات بها عند الضرورة التي يكثر وقوعها، ولا تجب في الفواكه والتوابل والعسول؛ لأنها لا تدخل لذلك‏.‏ ووافقه ‏(‏ش‏)‏ في المناط، وخالفه في تحقيقه في بعض المواضع، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ المناط‏:‏ تنمية الأرض وإصلاحها فإنها سبب الحياة ومنشأ الأقوات، وإليه أشار قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏فيما سقت السماء العشر‏)‏ أي إذا سقت السماء نمت الأرض، ولم يعتبر الإقتيات، فلذلك تجب عنده في الفواكه والخضر والتوابل والعسل، والمستثنى‏:‏ القصب والحطب والحشيش، وقال ابن حنبل‏:‏ الكيل والادخال في الحبوب والثمار، فأوجبها في اللوز؛ لأنه يكال دون الجوز لأنه يعد‏.‏ لنا على الفرق‏:‏

قوله عليه السلام في مسلم‏:‏ ‏(‏لا صدقة في حب ولا تمر حتى يبلغ خمسة أوسق‏)‏ وهو عام في جملة الحبوب والثمار، فيتمسك به حيث نوزعنا في الثبوت، وقوله عليه السلام في الترمذي‏:‏ ‏(‏الخضروات ليس فيها شيء‏)‏ يستدل به حيث نوزعنا في النفي‏.‏ وضعف الترمذي إسناده، ولأن الزكاة لو كانت في الخضر لعلم ذلك في زمانه عليه السلام وكان معلوما بالمدينة، وبهذا استدل مالك على أبي يوسف بحضرة الرشيد، فرجع أبو يوسف إليه‏.‏ ولأن الكيل وصف طردي فيلغى، وتنمية الأرض وسيلة للقوت، والمقصد مقدم على الوسيلة، ويبقى الإدخار - وهو داخل فيما ذكرناه - وسيلة للقوت، والمقصد مقدم على الوسيلة فيرتجح ما ذكرناه على ما ذكروه، وحصل الإتفاق على الزبيب والتمر، وهذه القاعدة تعرف بتخريج المناط، وظابطها‏:‏ أن تمر أوصاف محل الحكم فنلغي الطردي ونضيف الحكم المناسب‏.‏

فروع أربعة‏:‏ الأول، قال في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ تؤخذ الزكاة من الزيتون، ولا يخرص، ويؤمن أهله عليه كالحب خلافا ل ‏(‏ش‏)‏ ملحقا له بسائر الفواكه، لنا‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان‏)‏ إلى قوله‏:‏ ‏(‏كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده‏)‏‏.‏ ‏(‏الأنعام‏:‏ 141‏)‏ ولقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏فيما سقت السماء العشر‏)‏ ولأنه أعم منفعة من القطاني، ولأن الشام لما فتح أمر عمر - رضي الله عنه - بأخذ الزكاة من الزيتون، ولم يخالفه أحد فكان إجماعا‏.‏ وعلى الآية سؤلان‏:‏ الأول‏:‏ إن الزيتون لا يؤكل من ثمره إذا أثمر فلا يكون مرادا‏.‏ الثاني‏:‏ أن لفظ الحصاد ظاهر في الزرع فيخص الحكم به‏.‏ قال سند‏:‏ قال مالك‏:‏ لا زكاة فيما يؤخذ من زيتون الجبال وثمارها المباحة لعدم الملك فيه قبل الحوز، أما لو حازه قبل ذلك وسقاه وتعاهده على هيئة عادة تنمية الأملاك زكى، وما يؤخذ من أرض العدو إن جعله غنيمة ففيه الخمس‏.‏

الثاني، في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا بلغ حب الفجل والجلجلان خمسة أوسق أخذت الزكاة من زيته، فإن بيع حبا أخذ من حبه؛ لأن الحاجة تدعو إلى زيتهما في القوت، مثل القطاني وأكثر، قال سند‏:‏ وقال أصبغ‏:‏ في بزر الكتان الزكاة، وهو أعم نفعا من حب القرطم، خلافا لرواية ابن القاسم، قال أصحابنا‏:‏ وعلى القول يتزكية حب الفجل‏:‏ يزكى بزر السلجم لعموم نفعه بمصر والعراق، ومثله زيت الجوز بخراسان، قال‏:‏ وفي السلجم نظر؛ لأنه لا يؤكل حبه ولا دهنه، ولا بد من اعتبار الأكل، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ في حب الفجل وزريعة الكتان والقرطم ثلاثة أقوال، ثالثها‏:‏ التفرقة بين كثير الزيت فتجب، وبين قلته فلا تجب، وهي رواية ابن وهب، والنفي لابن القاسم من بزر الكتان‏.‏ قال‏:‏ وتجب الزكاة في كل ماله زيت، وهذا الإطلاق يجب تقييده، فإن الجوز وغيره فيه الزيت ولا زكاة فيه‏.‏

الثالث، قال سند‏:‏ ولا يختلف المذهب في عدم الزكاة في العسل خلافا لـ ‏(‏ح‏)‏ محتجا بأن هلالا جاء إلى رسول الله بعشور نحل له، وسأله أن يحمي له واديا يقال له‏:‏ سلبة فحماه له، فلما ولي عمر - رضي الله عنه - كتب إليه عامله يسأله عن ذلك، فكتب إليه‏:‏ إن كان يؤدي إليك ما كان يؤديه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – فبقه‏.‏ ولأنه مما تنمى له الأرض‏.‏ والجواب عن الأول‏:‏ أن المأخوذ قبالة حماية الوادي، وعن الثاني‏:‏ أنه ينتفض بالسمن، فإنه يطلب له الربيع‏.‏ لنا‏:‏ ما في ‏(‏الموطأ‏)‏ أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله أن لا يؤخذ من العسل ولا من الخيل صدقة‏.‏

الرابع، قال في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا زكاة في الفواكه كالجوز واللوز ونحوهما، وقاله ‏(‏ش‏)‏ خلافا لـ ‏(‏ح‏)‏ وعبد الملك منا، وابن حنبل فيما يكال منها؛ لأنها لا تدخر للقوت غالبا، ولأنها لا تؤدى منها مواساة الأقارب في نفقاتهم فأولى المساكين لتأكيد حق الغريب‏.‏ قال سند‏:‏ قال ابن القصار‏:‏ إنما أسقط مالك زكاة التين لعدمه من المدينة، وتحتمل الزكاة قياسا على الزبيب، وهو كثير في الأندلس، كما أن الأرز بالعراق أكثر من البر، والذرة باليمن أكثر من غير اليمن، ولذلك قال مالك‏:‏ لا زكاة في القرطم وبزر الكتان، فقيل له‏:‏ إنه يعصر منه زيت كثير قال‏:‏ فحينئذ فيهما الزكاة، فكذلك ها هنا، ويحتمل عدم الوجوب لندرة ذلك في البلاد، أو لأنه لم يكن بالمدينة وهو موضع الأحكام‏.‏

البحث الثاني في قدره

والنصاب عندنا معتبر وعند الكافة إلا ‏(‏ح‏)‏ أوجب في القليل والكثير، لعموم قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏فيما سقت السماء العشر‏)‏ ولأنه لا يشترط الحول فيه فلا يشترط النصاب‏.‏ لنا‏:‏ قوله عليه السلام في ‏(‏الموطأ‏)‏‏:‏ ‏(‏

ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة‏)‏ والمقيد مقدم على المطلق، وجواب مستنده‏:‏ أن الكلام إذا سيق لمعنى لا يحتج به في غيره، وهذه قاعدة أصولية‏.‏ فإذا قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏إنما الماء من الماء‏)‏ لا يستدل به على جواز استعمال الماء المستعمل؛ لأنه لم يرد إلا لبيان خصر موجب الغسل، فكذلك ها هنا‏.‏ إنما ورد لبيان الجزء الواجب لا لبيان ما يجب فيه، فلا يستدل به عليه، وأما الحول‏:‏ فلأن الشرع إنما اشترطه لتحصيل النماء في إنباته، والنماء قد كمل هنا، فحصلت مصلحة الحول بخلاف النصاب، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ النصاب خمسة أوسق، الوسق‏:‏ ستون صاعا، والصاع أربعة أمداد، والمد رطل وثلث بالبغدادي، وقال المتأخرون‏:‏ هو ستة أقفزة وربع قفيز بالقفيز القروي، وقال ابن القاسم‏:‏ هو عشرة أرادب بالمصري، وفي ‏(‏الجلاب‏)‏‏:‏ هو ألف وستمائة رطل بالبغدادي‏.‏

فائدة‏:‏ قال صاحب ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ وقفت من تحرير مقادير أوزان الزكاة ومكاييلها على ما رأيت أن أثبته رجاء النفع به، وهو ما خرجه النسائي‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏المكيال على مكيال أهل المدينة، والوزن على وزن أهل مكة‏)‏ وخرج أبو داود عن ابن حنبل قال‏:‏ عبرت مده عليه السلام، رطل وثلث، ولا يبلغ في التمر هذا، قال‏:‏ وبحثت غاية البحث فأخبرني كل من وثقت بتمييزه أن دينار الذهب وزنه بمكة اثنان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة بالحب من الشعير المطلق، والدرهم سبعة أعشار المثقال، فالدرهم المكي‏:‏ سبعة وخمسون حبة وسبعة أعشار حبة، وعشر عشر حبة، فالرطل مائة وثمانية وعشرون درهما بالدرهم المذكور، قال‏:‏ ووجدنا أهل المدينة لا يختلف منهم اثنان في أن مده عليه السلام الذي تؤدى به الصدقة، ليس أكثر من رطل ونصف، ولا أقل من رطل وربع، وقال بعضهم‏:‏ رطل وثلث وليس باختلاف، ولكن بحسب المكيل من التمر والبر والشعير‏.‏ ومن غير ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ الرطل البغدادي‏:‏ مائة وثلاثون درهما بالدرهم المذكور‏.‏

تنبيه‏:‏ الدرهم الشرعي سبعة وخمسون حبة، وستة أعشار حبة، وعشر عشر حبة بحب الشعير الوسط، فإن كمل سبعة مثاقل عشرة دراهم، فإذا قسمتها على السبعة خرج هذا القدر، ودرهم مصر‏:‏ أربعة وستون حبة‏.‏ قال في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ والرطل الشرعي‏:‏ مائة وثمانية وعشرون درهما، ويكون قدره بدرهم مصر مائة وخمسة عشر درهما وأربع عشرة حبة، وخمس حبة، والمد الشرعي ما وسع رطلا وثلثا بالرطل الشرعي، قال سند‏:‏ من الزبيب أو الماس أو العدس، قال صاحب ‏(‏البيان‏)‏‏:‏ قيل‏:‏ من الماء، وقيل‏:‏ من الوسط من القمح، وقيل‏:‏ رطل ونصف، وقيل‏:‏ رطلان وتسع رطل مصر، وعلى القول برطل وثلث - وهو المشهور - رطلا وتسعة دراهم بدراهمها، وثلث وربع درهم وثلثي حبة، وعشر حبة، وثلثي عشر حبة، والصاع الشرعي خمسة أرطال وثلث بالرطل الشرعي، وبرطل مصر‏:‏ أربعة أرطال وربع، ودرهمان ونصف بدرهمها إلا ثلثي حبة‏.‏

والنصاب الشرعي ألف وستمائة رطل بالبغدادي؛ لأن مالكا لما ناظر أبا يوسف فيه وأتى أهل المدينة بأمدادهم التي كان آباؤهم يؤدون بها الزكاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم اعتبره هارون الرشيد برطل بغدادي، فوجده هذا القدر، ولعله اليوم قد زاد أو نقص، فإن هذه أمور غير منضبطة في البلاد، فيكون برطل مصر ألفا ومائتين وثمانين رطلا وسدس رطل ودرهمين ونصف وربعا وثمنا بدرهمهما‏.‏ فيكون بأردب مصر خمسة أرادب، وثلث وسدس رطل، ودرهمين ونصفا وربعا وثمنا بدرهمهما‏.‏ هذا على ما في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ أن الرطل ثمانية وعشرون درهما، وقال سند‏:‏ هو ثلاثون درهما، فعلى قوله يكون خمسة أرادب وثلثا ونصف سدس أردب ورطلين وثلث رطل برطل مصر، وعشرة دراهم ونصف وربع وثمن بدرهمهما، وأما قول ابن القاسم‏:‏ هو عشرة أرادب، فيحتمل أن يكون الأردب حينئذ صغيرا، ويؤكد ذلك ما في ‏(‏الجواهر‏)‏ في كتاب النفقات قال ابن حبيب‏:‏ ويبة مصر‏:‏ اثنان وعشرون مدا بمده عليه السلام فتكون تسعة وثلاثين رطلا وثلثي رطل بالرطل الشرعي، وهو اليوم أربعون رطلا برطل مصر قال صاحب ‏(‏التنبيهات‏)‏ في كتاب السلم‏:‏ الويبة بمصر‏:‏ عشرون مدا، والأردب بفتح الهمزة أربع ويبات، ذكره في السلم، والأردب اليوم ست ويبات، والويبة‏:‏ أربعون رطلا برطل مصر، وهذا التقدير الذي يجوز في النصاب هو على ويبة مدينة مصر وأردبها، وأما الضياع والقرى‏:‏ فأردبها أكبر بكثير، وهي متفاوتة الكثرة، قال سند‏:‏ وتحديد النصاب عندنا للتقريب حتى لو نقص اليسير وجبت الزكاة كما في النقدين، خلافا لبعض الشافعية أنه للتحقيق، والنصاب عند مالك من حب الزيتون كسائر المعشرات، وقال عبد الملك‏:‏ إن احتاج أهله للانتفاع ببعضه أخضر، خرص وأخذت الزكاة من زيته‏.‏

فروع ستة‏:‏

الأول في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ يعتبر النصاب في حصة كل واحد من الشركاء في جملة أمور الزكاة، ويضاف إلى الحنطة‏:‏ الشعير والسلت، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ لا يضم من الثلاثة شيء إلى الآخر لاختلافها في الاسم والمعنى كالحنطة مع الأرز‏.‏ لنا‏:‏ أنها متقاربة في المنفعة والمنبت، بخلاف الأرز، وقال سند‏:‏ قال مالك وأصحابه، إلا ابن القاسم‏:‏ الأشقالية صنف من الحنطة اسمه العلس باليمن بجمع مع الحنطة، وقال أصبغ‏:‏ هم جنس مفرد حبته مستطيلة متصوفة‏.‏ قال‏:‏ وخلافهم يرجع إلى الخلاف في تحقيق الصفة، والعلس يخزن في قشره كالأرز، فلا يزاد في النصاب لأجل قشره، وكذلك الأرز‏.‏ وقال الشافعية‏:‏ يكمل عشرة أوسق، لنا‏:‏ عموم الخبر والقياس على نوى التمر وقشر الفول الأسفل‏.‏

الثاني، في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ الأرز والذرة والدخن لا ضم فيها لتفاوت المنافع، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ هي جنس واحد تضم‏.‏

الثالث في ‏(‏الكتاب‏)‏ القطاني - وهي‏:‏ الفول، والحمص، والعدس، والجلبان، واللوبيا، - وكل ما يعلم أنه منها يضم، ولا يضم إليها غيرها، ويؤخذ من كل صنف منها بحسابه، زاد في ‏(‏الجلاب‏)‏‏:‏ البسيلة، والترمس، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إتحاد جنسها في الربا، روايتان‏.‏ واختلف المتأخرون في جريانها في الزكاة، قال القاضي أبو الوليد‏:‏ والظاهر عندي أنها أجناس في الربا والزكاة، وقاله ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏.‏ لنا‏:‏ تقارب منافعها، وأن العرب خصتها باسم دون سائر الحبوب، وهي القطنية، والفرق بين الربا والزكاة‏:‏ أن الربا ضيق، بدليل ضم الذهب والفضة في الزكاة‏.‏ وهما في الربا جنسان، ولأن الزكاة مواساة، فيعان الفقراء بضم الحبوب ليكمل لهم النصاب، ويكثر الجزء الواجب، ولأن اللبن ربوي ليس بزكوي، وكذلك المطعومات كلها عند ‏(‏ش‏)‏، والمكيلات عند ‏(‏ح‏)‏ مع انتفاء الزكاة في كثير من القسمين إجماعا‏.‏ قال سند‏:‏ ومعنى قول مالك‏:‏ وما يعلم أنه منها‏:‏ أن اسم القطنية عند الناس لما يقطن لمنفعته عند الضرورة أي يمكث، ومنه‏:‏ القاطن للمقيم، فتعمل إذا احتيج إليها دقيقا وخبزا وسويقا، وبهذا تخرج التوابل؛ لأنها لا تتخذ لهذا الغرض، وقال أشهب‏:‏ الكرسنة والقطنية، وقال ابن حبيب‏:‏ هي جنس على حدته، وذكر الباجي أنها البسيلة، وقال ابن هارون البصري منا‏:‏ البسيلة‏:‏ الماش، وهو حب بالعراق يشبه الجلبان، والواجب أن يرجع في ذلك إلى العرف كما قاله مالك‏.‏ وفي ‏(‏البيان‏)‏‏:‏ روي عن مالك‏:‏ ضم الأرز والجلجلان مع القطاني، وهو خلاف المشهور‏.‏

الرابع في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ الزبيب والتين والزيتون والتمر والجلجلان وبزر الكتان، إن قلنا‏:‏ هي زكوية فأجناس، وليعلم الفقيه أن التباين بين أنواع القطاني وبين القمح والشعير والسلت لا يزيد على التباين بين أعلى أنواع التمر وأدونه عند إمعان النظر‏.‏ فلذلك ضمت في النصاب‏.‏ ولا يضم عند مالك حمل نخلة إلى حملها في العام الثاني‏.‏

الخامس في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ ما اتفق من الزرع في النبات والحصاد من الجنس الواحد أضيف، وما كان له بطنان أو بطون‏:‏ فقيل‏:‏ يعتبر بالفصول، فما نبت في الربيع مثلا ضم للاتفاق في السقي، وقيل‏:‏ ما نبت قبل حصاد غيره ضم إليه كاتفاق الفوائد في الملك والحول، وعلى هذا لو كان له زرع في ثلاثة أزمنة وزرع الثالث قبل حصاد الأول ضم الجميع، أو بعد حصاده وقبل حصاد الثاني‏:‏ وجبت الزكاة إن كانت إضافة كل واحد من الطرفين مفردا إلى الوسط يكمل النصاب‏.‏ ولا تجب إن لم يحصل من مجموعها معه نصاب، وفي الوجوب إذا كمل النصاب بالوسط مع الطرفين جميعا، ولم يكمل بضم أحدهما إلى الوسط خلاف، وأجراه أبو الطاهر على خليطي شخص واحد، هل يعدان خليطين أم لا‏؟‏ قال سند‏:‏ وتضم الحبوب التي زرعت في بلاد، وإن اختلفت البلاد في الإدراك في النوع الواحد بسبب البرد والحر؛ لأن العام واحد فيضم، ولو كان أحدهما رطبا والآخر طلعا؛ لأن إيجاد زمان الإدراك ليس شرطا بالإجماع، وقال صاحب ‏(‏المقدمات‏)‏ إذا زرعت في أوقات مختلفة وحصدت في وقت واحد ضمت، ولو زرع الثاني قبل حصاد الأول‏.‏ وزرع الثالث بعد حصاد الأول وقبل حصاد الثاني يجمع الثاني مع الأول والثالث عند ابن القاسم، إن كان الأول باقيا عنده‏.‏ وعند أشهب‏:‏ يزكى الثاني وإن كان دون النصاب مع فوات الأول، ولا يجمع الأول مع الثالث، فلو زرع الثاني قبل حصاد الأول ثم رفع الثالث بعد حصاد الثاني، وقبل حصاد الأول؛ لأن من القطاني ما يتعجل جمع الأول معهما، ولم يجمع الثاني مع الثالث‏.‏ فإن رفع من الثاني ثلاثة أوسق انتظر الأول، فإن كمل النصاب والأول باق زكاها على مذهب ابن القاسم، ثم إذا حصد الثالث فبلغ مع ما بقي في يده من الأول نصابا زكاهما، ولا يزكي ما زكاه من الثاني، وعلى مذهب أشهب‏:‏ يزكى الثالث، وإن كان دون النصاب بعد فقدان ما قبله، وكذلك حكم المعادن‏.‏

السادس، في ‏(‏البيان‏)‏‏:‏ قال مالك‏:‏ يحسب في الزرع ما أكل منه، وما آجر به الجمال وغيرها بخلاف ما أكلت الدواب في الدارس؛ لأن النفقة من ماله‏.‏ قال صاحب ‏(‏البيان‏)‏ وقال ابن المواز‏:‏ ويحسب ما تصدق به‏.‏ وقال الليث‏:‏ لا شيء عليه في ذلك بعد الإفراك وقبل اليبس، وأما ما أكل بعد اليبس فيحسب بلا خلاف، واختلف في الصدقة بعد اليبس وعند مالك‏:‏ يحسبها، وأما ما أكلت الدواب في الدراس فلا يحسب كآفات السماء‏.‏

سؤال‏:‏ ينبغي ضم الزبيب مع التمر لتقاربهما كالقمح والشعير وأنواع القطاني‏.‏ جوابه‏:‏ أن ما ضممناه تقارب زمان حصاده، والجزر والتمر والزبيب بينهما خمسة أشهر، ولذلك لم تضم الذرة إلى الدخن لتباين أزمنتها‏.‏

النظر الثاني، في الجزء الواجب

وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ ما يشرب من السماء أو سحا أو بعلا‏:‏ ففيه العشر وما شرب بالسواني بقرب أو أدلية فنصف العشر، وفي ‏(‏الصحاح‏)‏ قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏

فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلا العشر، وفيما سقي بالسواني والنضح نصف العشر‏)‏ ومعناه‏:‏ أنه متى كثرت المؤنة خفت الزكاة رفقا بالعباد، ومتى قلت كثرت الزكاة ليزداد الشكر لزيادة النعم، ونظيره‏:‏ الزكاة في المعدن، والخمس في الركاز‏.‏

فوائد‏:‏ سقي السماء‏:‏ المطر والسح والسيل والعيون والأنهار، قال ابن فارس‏:‏ وهو العثري، وقيل العثري‏:‏ البعلي، قال أبو داود‏:‏ البعلي‏:‏ ما يشرب بعروقه، وأنكره ابن قتيبة وقال‏:‏ هذا لم يوجد، وليس كذلك؛ لأن النخل كذلك، ويحكى أن في بلاد السودان أودية يزرعون فيها الذرة السنة كلها من غير سقي، بل ترشح هي الماء من جوانبها، والقرب‏:‏ الدلو الكبير، والدالية أن تمضي الدابة فيرتفع الدلو فيفرغ ثم ترجع فينزل، والسانية البعير الذي يسنى عليه أي يستقي قاله الخطابي‏.‏ والنضح‏:‏ السقي بالجمل ويسمى الجمل الذي يجره ناضحا‏.‏ ومثله‏:‏ الدواليب والنواعير، قال سند‏:‏ وأما حفر الأنهار والسواني وإقامة الجسور لا تأثير لمؤنة ذلك؛ لأنه إصلاح الأرض كالحرث فإن اجتمع السيح والنضح واستويا‏:‏ قال مالك‏:‏ فثلاثة أرباع العشر عدلا بينهما‏.‏ فإن كان أحدهما أكثر‏:‏ قال مالك‏:‏ الأقل تبع كالضأن مع المعز‏.‏ وقال عبد الوهاب‏:‏ يتخرج على الروايتين في تأثير بعض الثمرة هل تكون للمبتاع وإن قل، أو يكون للبائع تبعا للأكثر‏؟‏ روايتان، وكذلك ها هنا‏.‏ وقال ابن القاسم‏:‏ الحكم للذي أحيي به الزرع؛ لأن المقصود من الزرع نهايته، والمحصل للمقصود هو المقصود، وعلى الأول فحده‏:‏ الثلث وما قاربه عند ابن القاسم، فإن جهلت المساواة والتفاضل، جعلا متساويين لتساوي الاحتمال كمدعي السلعة إذا تعدد ولا يد ولا بينة‏.‏ فإن كان في أرضين ضم أحدهما إلى الآخر في النصاب، وأخذ من السيح العشر، والنضح نصف العشر، ومتى ادعى رب الزرع النضح‏.‏ صدق إن لم يعلم كذبه‏.‏ وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا كان السيح بالكراء ألحقه اللخمي بالنضح‏.‏ قال صاحب ‏(‏تهذيب الطالب‏)‏‏:‏ إذ عجز عن الماء فاشتراه‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ عليه العشر‏.‏ وقال عبد الملك بن الحسن‏:‏ نصف العشر، قال‏:‏ وهو الصواب؛ لأن مشقة المال كمشقة البدن‏.‏

نظائر‏:‏ قال العبادي‏:‏ إلحاق الأقل بالأكثر اثنا عشرة مسألة في المذهب‏:‏ السيح، والنضح، والمعز، والضأن، يؤخذ من أكثرهما، والمأخوذ في زكاة الإبل من غالب غنم البلد ضأنا أو ماعزا، وإذا أدار بعض ماله دون البعض زكى بحكم غالبه، وزكاة الفطر من غالب عيش البلد، وبياض المساقاة مع السواد يتبعه إذا كان أقل، وإذا نبت أكثر الغرس فللغارس الجميع، وإن نبت الأقل فلا شيء له فيها، وقيل‏:‏ له الأقل، وإذا أطعم أكثر الغرس سقط عنه العمل، وإذا حد المساقي أكثر الحائط سقط عنه السقي، وإذا أبر أكثر الحائط فجميعه للبائع، وإذا حبس على أولاده الصغار، أو وهب وحاز الأكثر صح الحوز في الجميع، وإذا استحق الأقل من البيع أو وجد عيبا، فليس له الرد، ويرجع بقدره‏.‏

فرعان، الأول‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ ما لا يثمر، ولا يتزبب، يخرص أن لو كان ذلك ممكنا، فإذا وصل نصابا أخذ عشر ثمنه، وإن قل عن نصاب النقد؛ لأن الأصل مشاركة الفقراء للأعباء فيما يملكونه، وإن نقص عن النصاب فلا يؤخذ من ثمنه شيء، وإن زاد على النصاب - وهو فائدة - قال سند‏:‏ وروى عنه‏:‏ يدفع تمرا أو زبيبا، وخيره مرة أخرى، وقال عبد الملك و‏(‏ش‏)‏‏:‏ يؤخذ عشرة رطبا وعنبا‏.‏ وعلى القول الأول‏:‏ إذا أراد إخراج الزبيب مع ابن المواز؛ لأنه خلاف الواجب، فإن أكله أدى قيمته، رواه ابن القاسم وظاهره يوم الإزهاء، ولا يختلف المذهب إذا قطعت الثمرة قبل الإزهاء؛ لأنه لا زكاة فيها، والمأكول منها لا يحسب في الخرص‏.‏

الثاني‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا جمع النصاب من القمح والشعير والسلت أخذ من كل واحد بحسابه، وفي ‏(‏الجلاب‏)‏‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ لا بأس بإخراج الأعلى عن الأدني بقدر مكيلته بخلاف العكس؛ لأن الأصل في هذه أن تكون أجناسا كالذهب والفضة ولما جعلت جنسا كالذهب والفضة روعي حقوق الفقراء في خصوصاتها، وبهذا تفارق أنواع التمر والزبيب، حيث قلنا يخرج من الوسط، فإن الجنسين من التمر لا يكادان يستويان، فأخرج من الوسط، والاختلاف في النوعين أشد، ويمكن الإخراج منهما بخلاف النوع الواحد‏.‏ قال صاحب ‏(‏المقدمات‏)‏‏:‏ إن أراد أن يخرج الأدنى عن الأعلى بقيمته امتنع حيث يمتنع التفاضل، وجاز حيث جاز، كالقطامي إذا قلنا‏:‏ لا يجزئ فيها بالتفاضل، وعلى القول بجواز دفع العروض والنقد‏.‏

النظر الثالث في وقت الوجوب

وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ وقت الوجوب إزهاء النخل، وطيب الكرم، وإفراك الزرع واستغناؤه عن الماء، واسوداد الزيتون أو مقاربته‏.‏ وقال المغيرة‏:‏ وقت الخرص، قياسا للخارص على ساعي الماشية، وقال ابن سلمة‏:‏ الجداد، لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وآتوا حقه يوم حصاده‏)‏ ‏(‏الأنعام‏:‏ 6‏)‏‏.‏ قال‏:‏ وفائدة الخلاف‏:‏ من مات بين هذه الحالات‏:‏ فمن صادف قبل موته وقت الوجوب وجب عليه، وكذلك من باع، قال ابن مسلمة‏:‏ إن قدم الزكاة على الخرص لم يجزه لعدم الوجوب عنده حينئذ‏.‏

فرعان، الأول‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا مات بعد الأزهاء والإفراك‏:‏ فالزكاة عليه، وصى أم لا، بلغت كل حصة نصابا أم لا، وإلا فعلى من بلغت حصته نصابا؛ لأن الإزهاء هو وقت الوجوب‏.‏ وقبل ذلك هو علف لا طعام‏.‏ وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ سألت بعض الشيوخ‏:‏ إذا مات قبل الأزهاء وعليه دين يغترفه فلم يقم رب الدين حتى أزهى، هل تزكي على ملكه لتعذر الميراث بالدين‏؟‏ أو على ملك الورثة لاحتمال دفع الدين من غيره بمال يوصي له به‏؟‏ فقال‏:‏ على ملكه‏.‏ الثاني‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ من باع زرعه بعد فركه أخرج منه الزكاة وبيعه نافذ‏.‏ وقاله الأئمة لعدم تعين حق الفقراء، قال سند‏:‏ ويخرج طعاما من جنس المبيع، والفرق بين قول مالك‏:‏ إذا باع عنبا‏:‏ أنه يخرج من ثمنه، وبين هذا‏:‏ أن إخراج العنب في الزكاة لا يجوز فيتعين العدول إلى الثمن؛ لأنه يأتي في الصورتين بما باع أو بدله، فإن باع الزرع جزافا أو قائما من المبتاع على قدره، وزكى على قوله؛ لأنه أقرب الطرق إلى العلم، فإن كان فاسقا أو كافرا حزر الزرع‏.‏ قال مالك‏:‏ وإن شرط الزكاة على المبتاع جاز، وتؤخذ منه، وإذا كانت الزكاة على البائع فتعذرت عليه والمبيع قائم‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏ والشافعية‏:‏ يؤخذ من المبيع لتقدم حق الفقراء فيه على المبتاع، فلا يسقط إلا ببدل من البائع ولم يأت، ومنع أشهب الرجوع لصحة البيع واستقرار الملك كالعبد الجاني إذا باعه سيده والتزم الجناية، ثم أعسر، وفي ‏(‏الجلاب‏)‏‏:‏ إن وجد البائع مفلسا ووجد الثمرة في يد المشتري أخذ منها ويرجع المشتري على البائع، وقال أشهب‏:‏ تؤخذ الزكاة من المشتري مطلقا نظرا لتقدم حق الفقراء‏.‏

النظر الرابع، في الواجب عليه0

ويتضح برسم فروع ستة‏:‏ الأول‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ من اكترى أرض خراج أو غيرها، فعليه الزكاة‏.‏ وقاله ‏(‏ش‏)‏‏.‏ وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ الخراج يسقط زكاة الزرع‏.‏

ثم يحتاج لبيان الخراج، وهو نوعان، الأول‏:‏ وضعه عمر - رضي الله عنه - على أرض العراق لما فتحها عنوة، وقسمها بين المسلمين، ثم رأى أن ينزلوا عنها ليلا يشتغلوا عنها بالجهاد، فتخرب، أو بها عن الجهاد، فنزل عنها بعضهم بعوض، وبعضهم بغير عوض، وضرب الخراج عليها‏.‏ قال سند‏:‏ هو أجرة عند مالك و‏(‏ش‏)‏ وأوقفها على المسلمين، وكذلك منع مالك الشفعة فيها، وقيل‏:‏ بل باعها من أهل الذمة بثمن مقسط يؤخذ في كل سنة، وهو الخراج، وجازت الجهالة فيها لكونها مع كافر، وللضرورة‏.‏ والنوع الثاني‏:‏ أن يصالح بعض الكفار على أرضهم بخراج فيكون كالجزية، فإذا أسلموا سقط خلافا ل ‏(‏ح‏)‏ بخلاف الأول، احتج بقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا يجتمع العشر والخراج في أرض مسلم‏)‏ ولأن سببها واحد فلا يجتمعان كزكاة السوم والتجارة، والجواب عن الأول‏:‏ منع الصحة، سلمناها، لكنه محمول على من أسلم من أهل الصلح، فإنهما لا يجتمعان لسقوط الخراج، وعن الثاني‏:‏ الفرق بين المستحق لزكاة السوم والتجارة واحد، وهو مصرف الزكاة، فسقط الأدنى الذي هو زكاة التجارة، لكونها متعلقة بالقيم فالأعلى الذي هو زكاة السوم لتعلقها بالعين كاجتماع سببين للميراث يرث بأقواهما، وها هنا حقان لمستحقين، فلا يسقط أحدهما بالآخر‏.‏

الثاني‏:‏ قال سند‏:‏ ولو باع مسلم أرضا لا خراج عليها من ذمي فلا خراج على الذمي ولا عشر عند مالك و‏(‏ش‏)‏‏.‏ وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ عليه الخراج، ليلا تخلو الأرض عن العشر والخراج، وقال أبو يوسف‏:‏ عليه عشران، ومنع محمد بن الحسن صحة البيع لإفضائه إلى الخلو‏.‏ لنا أن البيع سبب الخراج في غير صورة النزاع، فلا يكون سببها فيها بالقياس‏.‏ ويبطل قولهم ببيع الماشية من الذمي‏.‏

الثالث‏:‏ من اكترى أرضا غير خراجية‏:‏ قال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ الزكاة على صاحب الأرض دون الزراع؛ لأن الأجرة منفعة للأرض قائمة مقام الزرع‏.‏ وجوابه‏:‏ أن الزكاة متعلقة بعين الزرع لاختلافها باختلافه بالكثرة والقلة والجنس؛ لأنه قد رتب الشرع في الكراء زكاة النقدين؛ لأنه كراؤها غالبا، فلا تزكي مرتين، وقد يستغرق العشر الأجرة ويزيد عليها، وهو منكر في الشرع‏.‏

الرابع‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا باع الزرع أخضر، واشترط المبتاع زكاته على البائع فهي على المبتاع لحدوث سبب الوجوب عنده، فإن وجبت على البائع فاشترطها على المبتاع جاز، والفرق‏:‏ أنه يرجع إلى جزء معلوم فيكون المبيع ما سواه، واشتراط المبتاع في الأخضر يلزم منه بيع زرع بطعام مجهول؛ لأن العشر يكثر ويقل‏.‏ وكذلك القول في الثمن‏.‏

الخامس‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ من منح أرضه صبيا أو ذميا أو عبدا أو أكراها فلا زكاة إلا على الصبي لقيام المانع فيما عداه خلافا ل ‏(‏ح‏)‏ في العبد والذمي‏.‏

السادس‏:‏ في‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا أوصى بزكاة زرعه الأخضر أو تمره قبل أزهائه فهو وصية من الثلث غير مبدأة؛ لأنها لم تلزم، ولا تسقط الزكاة عن الورثة؛ لتجدد سبب الوجوب في حقهم‏.‏ ويعد مستثنى لعشر زرعه، فإن كان الموصى به نصابا زكاه المتصدق، وإن لم يكن لكل مسكين إلا مد؛ لأنهم كمالك واحد لعدم تعيينهم، ولا يرجع المساكين على الورثة بما أخذ منهم، كما لو أوصى بشيء بعينه، ويستحق بعضه، وكذلك لو أوصى بجملة الزرع، فإن أوصى به لمعين كان كأحد الورثة، وعليه النفقة معهم‏.‏ لثبوت ملكه بالوفاة، والمساكين لا يملكون إلا بالقبض بالنفقة في مال الوصي‏.‏ قال سند‏:‏ قال سحنون‏:‏ ويفارق الوصية بالعشر الوصية بأوسق مستثناة للمساكين، أو لمعين، إن زكاتها من بقية الثمر‏.‏ فإن الوصية حينئذ لما بعد الاستحقاق‏.‏ وقال مالك في العرية نحو مشاع أو معين زكاة على رب الحائط وإن كان لمعين، وكذلك الصدقة بتمر حائطه على المساكين والسقي في جميع ذلك والمؤنة على رب الحائط، بخلاف الهبة والعمرى‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ أكابر أصحابنا‏:‏ العارية مثل الوصية‏.‏ وقال أشهب‏:‏ الزكاة في العرية والهبة على المعطى له إلا أن تعرى بعد بدو الصلاح، وقال المغيرة‏:‏ إن كانت العرية نخلا معينا مقبوضا فزكاتها على حائزها إن كانت نصابا، قال سند‏:‏ وجملة ذلك‏:‏ أن العرية إن كانت على غير معين فزكاتها على رب الحائط، وكذلك الصدقة؛ لأنها على ملكه كملت، وإن كانت لمعين وهي مكيلة معلومة فعلى رب الحائط، وكذلك الصدقة؛ لأن المعطى له إنما يملك بالقبض، وإن كانت العرية معين لمعين فعلى المعري عند مالك بخلاف الهبة؛ لأن العرية عنده إباحة كطعام الضيف لا يملك، إنما بالتناول، ولا يورث عنه إلا ما أخذه منها إلا أن يقصد التمليك بلفظ العرية فيكون هبة، وألحق أشهب العرية بالهبة بجامع التبرع‏.‏

تنبيه‏:‏ تقدم في الأموال الموقوفة أنه إذا وقف الماشية لتفرق في سبيل الله تعالى والدنانير لا زكاة فيما أتى عليه الحول من ذلك‏.‏ وهاهنا قال‏:‏ إذا أوصى بتمر حائطه أو بزرعه زكى، مع أن الجميع أوصى به لغير معين، والكل زكوي، والفرق‏:‏ أن الثمار والزرع تنشأ على ملكه؛ لأن رقاب النخل له، وكذلك الأرض، وما نشأ على ملكه فهو ملكه فيزكيه على ملكه، فهو ملكه، فيزكيه على ملكه؛ لأن أصله عنده وفي ملكه، والماشية والدنانير لم يبق لها أصل عنده فهو مملوك له حتى يقال‏:‏ بقيت على ملكه، بل لما اعرض عن أعيانها لم يبق له فيها ملك، وغير المعين لا يملك إلا بالقبض، فلم يبق ملك يزكى عليه، والسر‏:‏ أنها ليس لها أصل عنده، بخلاف الزرع والتمر‏.‏